أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ حَرَامٌ إِذَا كَانَ عَلَى عِوَضٍ أَوْ تَضَمَّنَ تَرْكَ وَاجِبٍ مِثْلَ تَأْخِيرِ الصَّلاةِ عَنْ وَقْتِهَا ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَضَمَّنَ كَذِبًا أَوْ ضَرَرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ .
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَقْوَالٍ :
الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَلِيمِيِّ وَالرُّويَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ حُرْمَةُ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ مُطْلَقًا .
وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَعُرْوَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَمَطَرٌ الْوَرَّاقُ ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَثَرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ : مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ؟ لأَنْ يَمَسَّ جَمْرًا حَتَّى يُطْفَى خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا .
وَرَوَى مَالِكٌ بَلاغًا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ فَوَجَدَهَا فِيهِ فَأَحْرَقَهَا . كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى النَّرْدِ ، بَلْ إِنَّ الشِّطْرَنْجَ شَرٌّ مِنَ النَّرْدِ فِي الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ وَهُوَ أَكْثَرُ إِيقَاعًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ ، لأَنَّ لاعِبَهَا يَحْتَاجُ إِلَى إِعْمَالِ فِكْرِهِ وَشَغْلِ خَاطِرِهِ أَكْثَرَ مِنَ النَّرْدِ ، وَلأَنَّ فِيهِمَا صَرْفُ الْعُمُرِ إِلَى مَا لا يُجْدِي ، إِلا أَنَّ النَّرْدَ آكَدُ فِي التَّحْرِيمِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِتَحْرِيمِهِ وَلانْعِقَادِ الإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَتِهِ مُطْلَقًا .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مَكْرُوهٌ .
وَمَأْخَذُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ مِنَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَجَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عُمَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ لَهْوٌ أَوْ سَهْوٌ إِلا أَرْبَعَ خِصَالٍ : مَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ ، وَمُلاعَبَةُ أَهْلِهِ ، وَتَعَلُّمُ السِّبَاحَةِ "
. وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ ثَلاثَةٌ : تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ ، وَمُلاعَبَتُهُ زَوْجَهُ ، وَرَمْيُهُ بِنَبْلِهِ عَنْ قَوْسِهِ " .
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ قَوْلَهُمْ بِأَنْ يَكُونَ لَعِبُ الشِّطْرَنْجِ مَعَ مَنْ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ وَإِلا كَانَ حَرَامًا ، لأَنَّ فِيهِ إِعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ لا يُمْكِنُ الانْفِرَادُ بِهَا .
وَمَأْخَذُ الْكَرَاهَةِ كَذَلِكَ أَنَّهُ يُلْهِي عَنِ الذِّكْرِ وَالصَّلاةِ فِي أَوْقَاتِهَا الْفَاضِلَةِ ، وَقَدْ يَسْتَغْرِقُ لاعِبُهُ فِي لَعِبِهِ حَتَّى يَشْغَلَهُ عَنْ مَصَالِحِهِ الأُخْرَوِيَّةِ .
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى إِبَاحَةِ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَحْذِ الْخَوَاطِرِ وَتَذْكِيَةِ الأَفْهَامِ وَلأَنَّ الأَصْلَ الإِبَاحَةُ وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمِهِ نَصٌّ وَلا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ قَوْلَهُمْ بِالإِبَاحَةِ بِأَلا يَلْعَبَهُ مَعَ الأَوْبَاشِ فِي الطَّرِيقِ بَلْ مَعَ نَظَائِرِهِ فِي الْخَلْوَةِ بِلا إِدْمَانٍ وَتَرْكِ مُهِمٍّ وَلَهْوٍ عَنْ عِبَادَةٍ .
المصدر الموسوعة الفقهية الكويتية