"أحلام".. ابتسامة الصمود
"أنا
لا أعترف بشرعية هذه المحكمة أو بكم, ولا أريد أن أعرفكم على نفسي باسمي
أو عمري أو حلمي، أنا أعرفكم على نفسي بأفعالي التي تعرفونها جيدا.. في هذه
المحكمة أراكم غاضبين، وهو نفس الغضب الذي في قلبي وقلوب الشعب الفلسطيني
وهو أكبر من غضبكم، وإذا قلتم إنه لا يوجد لدي قلب أو إحساس فمن إذن عنده
قلب.. أنتم؟ أين كانت قلوبكم عندما قتلتم الأطفال في جنين ورفح ورام
الله؟!".بهذه الكلمات واجهت أحلام الحكم الذي قضت به محكمة
إسرائيلية عليها بالسجن 16 مؤبدا (المؤبد 99 عاما وفق قانون دولة
الاحتلال)، وابتسامتها الساخرة ترسم مع نظرة التحدي في عينيها لوحة صمود
بقيت مستمرة معها خلال سنوات الأسر رغم قسوة المحنة.وعندما اندلعت
انتفاضة الأقصى المباركة في 28-9-2000 لم يكن قد بقي على تخرج أحلام
المولودة تاريخ في 20/10/1980بمدينة الزرقاء الأردنية لعائلة فلسطينية تعود
جذورها لقرية النبي صالح قرب رام الله سوى فصل دراسي واحد في قسم الصحافة
والإعلام بجامعة بير زيت بالضفة الغربية المحتلة التي عادت إليها بعد إتمام
دراستها الثانوية في الأردن، وبلسانها وما حفظته على مقاعد الدراسة حاربت
أحلام الاحتلال، فقدمت في تلفزيون محلي برنامجا يرصد أهم انتهاكات إسرائيل.وبعد مشوارٍ إعلامي حافل التحقت أحلام بكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس.وبقوة
بدأت أحلام مشوارها الجهادي، ففي يوليو 2001 قامت بالتجول في شوارع القدس
الغربية لتحديد المكان الأنسب لتنفيذ عملية استشهادية، ولم تكتفِ بالتوقف
هناك، بل عملت على زرع عبوة ناسفة في إحدى المحال التجارية.أما
عملها الأبرز فقد كان مساعدتها في تنفيذ الهجوم الاستشهادي الكبير الذي هز
القدس المحتلة يوم 9/8/2001.. ونفذه عز الدين المصري، ونجح في قتل ستة عشر
وجرح ما يزيد عن 107 آخرين، بينما تمكنت أحلام من العودة أدراجها إلى مدينة
رام الله بسلام بعد أن تيقنت من نجاح العملية.وفي الرابع عشر من
شهر سبتمبر من ذات العام تم اعتقالها من قبل قوات الاحتلال، وتعرضت لتعذيب
قاس في فترة التحقيق لتنال بعدها حكما بالسجن بـ"بستة عشر مؤبدا (1584
عاما) مع توصية بعدم الإفراج عنها في أي عملية تبادل للأسرى.وداخل
الأسر كانت أحلام نعم الصديقة للأسيرات، وعلى الرغم من صغر سنها استطاعت أن
تكون ناطقة باسم دموعهم وآلامهم ونسجت صداقات متميزة مع جميع الأسيرات
داخل السجن من كل الأطياف والألوان, وحاولت إسرائيل جاهدة أن تزرع الفتنة
بينها وبين الأسيرة "آمنة منى"، الناشطة في حركة فتح، غير أن أحلام استطاعت
بذكائها أن تنتصر على مخططات الاحتلال.وفي كل يوم تكتب أحلام
لصفحات فلسطين حكايات تألقها، ففي حادثة رسمت علامات الدهشة على وجوه من
حولها ارتبطت أحلام بالأسير نزار التميمي الذي يمضي حكما بالسجن المؤبد في
سجن عسقلان أمضي منه 12 عاما.وكتبت في وقت سابق لـ"إسلام أون لاين" عن حفل خطوبتها، وكيف احتفلت رام الله برباط يتحدى ظلام السجن وبرودة جدرانه.ولا
تزال أحلام ترسم ذات الابتسامة على ثغرها وتقول بثقة وإعلام العدو
يحاورها: "لستم من ستقررون الإفراج عني.. الله هو الحاكم.. وبإذنه تعالى
سأخرج".
آمنة.. شوكة في خاصرة سجانيهاآمنة
عبد الجواد منى، الناشطة في حركة "فتح"، التي تصف إسرائيل جريمتها
بـ"البشعة جدا" وأن إطلاق سراحها يثير غضب الكثيرين، فيما وصفتها مجلة تايم
الأمريكية في عددها الصادر هذا الأسبوع بأنها "شوكة في خاصرة سجانيها".بعد
أن أنهت آمنة المحكومة بالسجن مدى الحياة دراستها الثانوية التحقت بقسم
علم النفس بجامعة بير زيت وسعت للعمل في المجال الإعلامي عبر نشرة
"الصنوبر", كما تطوعت للعمل في إحدى جمعيات حقوق الطفل في رام الله، لتساعد
في التخفيف من معاناة أطفال شعبها، وما تزرعه ممارسات الاحتلال من آلام في
نفوسهم البريئة.كانت في أوائل عامها الخامس والعشرين عندما
اعتقلتها قوات الاحتلال يوم 20-1-2001، وأدانتها المحكمة العسكرية في معسكر
عوفر باختطاف الفتى الإسرائيلي أوفير رحوم (16 عاما) وقتله.ودفعت
منى رحوم للقدوم إلى رام الله، حيث قتل هناك على أيدي ناشطين من حركة فتح،
وبحسب ما تتناقله مواقع الحركة فإن الأسيرة قامت بالتعرف على رحوم عن طريق
شبكة الإنترنت، وقدمت نفسها له على أنها "سالي" فتاة يهودية قادمة للتو من
المغرب، وما زالت لا تجيد اللغة العبرية.وبعد بضعة أسابيع من بدء
العلاقة أقنعت رحوم بالتغيب عن دراسته والتنزه معها في القدس، ولم يخبر
رحوم والديه بوجهته.. سحب مدخراته وأخبر أصدقاءه بأنه ذاهب للقاء حبيبته
عبر الإنترنت، وقال صديقه شلومي أبيرجيل: "كان متحمسا للغاية بشأنها لأنها
كانت أكبر سنا، أظن أن هذا هو ما جذبه إليها.. سنها، لم نتخيل أبدا أن يحدث
شيء كهذا"، بحسب "تايم".وخلال اعترافها وصفت منى الطريقة التي
التقت بها رحوم في القدس في ذلك اليوم من يناير 2001، قائلة إنها استقلت
سيارة تاكسي إلى الضواحي الشمالية ثم قادت سيارتها الخاصة إلى مدينة رام
الله، وبما أن المدينتين متلاصقتان تقريبا فعلى الأرجح لم يلحظ رحوم أنه قد
غادر القدس.وقادته بسيارتها إلى مشارف مدينة رام الله، حيث كان في
انتظارها شريكاها من تنظيم فتح حسن القاضي وعبدالفتاح دولة، اللذان حاولا
إخراجه من السيارة.. وحين رفض الخروج، أطلق أحدهما عليه النار وأرداه
قتيلا.وأخذ منفذو العملية جثة رحوم، ولاذوا بالفرار متوجهين إلى
مدينة رام الله داخل مناطق السلطة الفلسطينية، حيث قاموا بدفن جثته، وعندما
لم يعد رحوم إلى بيته تلك الليلة واكتشف والداه أنه لم يذهب إلى المدرسة
قاما بإبلاغ الشرطة، ودخلت شقيقته غرفة الدردشة من خلال جهاز الحاسوب الخاص
به وحاولت الاتصال بسالي فلم تحصل على أي رد.واكتشفت الشرطة
الإسرائيلية جثة الفتى على مشارف رام الله، وتتبعت المخابرات الإسرائيلية
حساب منى من غرفة الدردشة إلى مقهى للإنترنت في رام الله، ثم لاحقتها إلى
منزل والديها في دير نبالا، وهي قرية بشمال القدس، حيث تم اعتقالها بعد
أيام من العملية.وفي المحاكمة قال محاميها جواد بولس إن منى لم تنو
أبدا قتل الفتى، مضيفا: "ما حدث جرى خارج نطاق سيطرتها، من دون علمها
وبالتأكيد من دون موافقتها". لكنها أخبرت الصحفيين خلال مقابلات أجريت في
المحكمة: "إنني فخورة بنفسي".وتختتم "تايم" تقريرها قائلة: "يوجد
اسم آمنة منى على رأس قائمة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للأسرى
الفلسطينيين ضمن صفقة التبادل مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وتقضي
عقوبة بالسجن مدى الحياة، كما أصبحت رمزا للأسيرات الفلسطينيات في السجون
الإسرائيلية، ومدافعة قوية عن حقوق الأسرى الفلسطينيين وشوكة دائمة في
خاصرة سجانيها الإسرائيليين، بيد أن الجريمة التي أدينت بارتكابها كبيرة في
نظر الإسرائيليين إلى درجة أن كثيرين لا يجدون أي عدالة في إطلاق سراحها،
حتى مقابل حرية أحد جنودهم".وتخضع منى كبقية الأسيرات لظروف
اعتقالية ظالمة تمثلت في عزل انفرادي، والإهمال صحي، والتعذيب نفسي
والجسدي، حيث قضت منى المتحدثة باسم الأسيرات قرابة عامين في العزل
الانفرادي، وفي عام 2007، بدأت إضرابا عن الطعام للاحتجاج على عزلها
وبقائها في الزنزانة 23 ساعة في اليوم، وفي حزيران (يونيو) 2008 تم نقلها
إلى سجن الدامون في الشمال، حيث أخبرت الزوار أن ظروفها تحسنت بشكل طفيف.
<