ما أقسى الكتابة عن الأقصى وهو يعاني من وجع الاحتلال ويرسل استغاثاته الأخيرة لنا ، ونحن نتوارى خلف كلماتنا خجلين من صمتنا وتخاذلنا وقعودنا عن نصرته ...
ما أقسى الكتابة عن القدس ونحن لا نملك إلأّ التّحديق عن بعد في صور قبابها ومآذنها المتّشحة بالسّواد
لكنّنا مع ذلك كلّه نملك الحلم ، نملك الأمل ، نملك العمل ،نملك اليقين بأنّ النصر قريب ، فهذه بشرى منه سبحانه وتعالى
القوّة العظمى في هذا الكون ...
فالقدس والمسجد الأقصى ، جزء من عقيدة المسلمين ، وليست مدينة تقع في دولة محتلّة فحسب
وهنا يطرح السّؤال نفسه: ماهي القيمة الحقيقيّة للقدس والمسجد الأقصى عند المسلمين ؟
المسجد الأقصى شقيق المسجد الحرام الذي يكبره بأربعين سنة ، وهو ثاني مسجد وضع للناس ، فقد ورد في الحديث أنّ أبا ذرّ الغفاريّ سأل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم عن أوّل المساجد ، فقال عليه الصّلاة والسّلام :"المسجد الحرام" ، قال ثمّ أي؟ قال:" المسجد الأقصى " قال كم بينهما ؟ ،قال: " أربعون سنة"
البناء كان أيام أوّل الخلق سيّدنا آدم عليه السّلام ، ثمّ جدّد بناءه أبو الانبياء إبراهيم عليه السّلام ، وقد زاد الله المسجد شرفا بصلاة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم إماما بالأنبياء فيه ، ليلة الإسراء والمعراج ، قال تعالى :"سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير"، وعند حائطه الغربيّ ربط دابّته البراق، وهو قبلة المسلمين الأولى ،عليها توحدت الأجناس والأعراق والألوان واللغات في الصّلاة ستّة عشر شهرا ، إلى أن أمر الله بتغيير القبلة بقوله: "فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره"
فيه وحوله تعتصم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة " لا يضّرهم من خالفهم حتّى يأتي أمر الله " وفيه تطلب البركة ، ولفضله "ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشّام " وفيه تضاعف الأجور: "الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة "وهو أحد ثلاثة مساجد أمر رسول الله بأن لا تشدّ الرّحال إلّا إليها : "المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا "
عن ميمونة مولاة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قالت :يا نبيّ الله أفتنا في بيت المقدس فقال : " أرض المنشر والمحشر ، إئتوه فصلّوا فيه ، فإن لم تأتوه وتصلّوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله"، وعن أمّ سلمة زوج النبيّ أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول :" من أهلّ بحجّ أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنّة " و في حديث الدّجال أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:" ... سيظهر على الأرض كلّها غير الحرمين وبيت المقدس، وأنّه يسوق المسلمين إلى بيت المقدس فيحصرون حصرا شديدا "، فيكون الأقصى عندها عصمة من الدّجال كما في الحديث .
المسجد الأقصى إليه تهفو القلوب والأفئدة على مرّ العصور وكرّ الدّهور ، وهو قرّة عين الرّسول محمد صلّى الله عليه وسلّم ، ومن أجله ترك خليفة المسلمين عمر بن الخطّاب دار الخلافة ليدخله والمسلمون ، وليضع بنفسه اللّبنات الأولى للمسجد القبلي فيه ، وإكراما له أذّن مؤذّن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بلال بن رباح ، أذانا يتيما صام عنه منذ وفاة حبيبه وسيّده محمّد صلّى الله عليه وسلّم
فتح القدس والصّلاة في المسجد الأقصى كان إحدى علامات السّاعة ،أمّا تحريره من أيدي اليهود فسيكون إحدى العلامات الأخيرة لقيام السّاعة، قال صلّى الله عليه وسلّم : " لا تقوم السّاعة حتّى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتّى يختبئ اليهوديّ وراء الحجر أو الشّجر فيقول الحجر والشّجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهوديّ خلفي فتعال فاقتله إلّا الغرقد فإنّه من شجر اليهود " مسند الإمام أحمد
وبينهما تضحيات كبرى في وجه المحتلّين ، من النّاصر صلاح الدّين إلى يومنا هذا
السبت يوليو 24, 2010 1:55 am
